المقالات
ما الفرق بين علوم القرآن وأصول التفسير؟
الفرق بين أصول التفسير وعلوم القرآن.
أصول التفسير هي المبادئ العلمية الأولى التي يحتاجها من يريد تعلم علم التفسير والتبحُّرَ فيه، وهي جزء من علم التفسير.
وعلم التفسير جزء من علوم القرآن.
فكل معلومة من أصول التفسير هي من علوم القرآن، وليس كل معلومة من علوم القرآن هي من أصول التفسير.
وقد تجد كتبًا مُعَنْونةً بأصول التفسير، وفيها جملة من علوم القرآن التي لا علاقة لها بالتفسير.
والنظر في تحديد المعلومة من علوم القرآن وجعلِها من أصول التفسير مرتبط بإفادتها في التفسير من عدمها، وعلوم القرآن من هذه الجهة على قسمين:
· علمٌ لا تفيد المفسر معرفتُه ولا علاقة له بالتفسير؛ كعدِّ الآي.
· وعلمٌ له علاقة بالتفسير، ويستفيد المفسر منه، وتختلف استفادة المفسر منه بحسب نوع العلم.
فعلم الناسخ والمنسوخ مما يحتاج المفسر معرفته بتفاصيله في الآيات، لكنه ليس بحاجة إلى معرفة توجيه جميع وجوه القراءات من الآداء وغيرها، إنما هو بحاجة إلى توجيه ما يختلف به المعنى.
والدارس لأصول التفسير يصوغ تأصيلاته وتقعيداته العلمية من هذه العلوم التي لها مساس بالتفسير؛ كعلم المكي والمدني الذي تفيد معرفته في توجيه بعض الأقوال، أو بيان ضعف بعضها وترجيح غيرها عليها.
ومن الأمثلة على ذلك:
قال ابن عطية (ت: 542) في قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33]: "ابتداء توصية لمحمد ☺، وهو لفظ يعمُّ كلَّ من دعا قديمًا وحديثًا إلى الله تبارك وتعالى وإلى طاعته من الأنبياء عليهم السلام ومن المؤمنين.
والمعنى: لا أحد أحسن ممن هذه حاله، وإلى العموم ذهب الحسن، ومقاتل، وجماعة، وبَيِّنٌ أن حالة محمد ☺ كانت كذلك مبرِّزة.
وإلى تخصيصه في الآية ذهب السدي، وابن زيد، وابن سيرين، وقال قيس بن أبي حازم، وعائشة أم المؤمنين ▲، وعكرمة: نزلت هذه الآية في المؤذِّنين، قال قيس: {وَعَمِلَ صَالِحًا}: هو الصلاة بين الأذان والإقامة، وذكر النقاش ذلك عن ابن عباس ¶.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ومعنى القول بأنها في المؤذنين: أنهم داخلون فيها، وأما نزولها فمكية بلا خلاف، ولم يكن بمكة أذان، وإنما ترتَّب بالمدينة، وإنَّ الأذان لمن الدعاء إلى الله تعالى؛ لكنه جزء منه.
والدعاءُ إلى الله تعالى بقوة؛ كجهاد الكفار، وردع الطغاة، وكفِّ الظلمة، وغيره = أعـظمُ عـناءً مـن تولِّي الأذان؛ إذ لا مشـقة فـيه، والأصـوب أن يعـتقد أن الآيـة نزلت عامة" ([1]).
وهذا يمكن أن يشكِّل قاعدة ترجيحية بين أقوال المفسرين، وهي العلم بتاريخ النُّزول، فالعلم بتاريخ النُّزول يدل على القول الصحيح في معنى الآية.
وقال ابن عطية (ت: 542) في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} [إبراهيم: 28]: "وقال ابن عباس: هذه الآية في جَبَلَة بن الأيهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ولم يرد ابن عباس أنها فيه نزلت؛ لأن نزول الآية قبل قصته، وإنما أراد أنها تخصُّ مَن فَعل فِعْلَ جَبَلة إلى يوم القيامة" ([2]).
وهذا المثال يتعلق بعلمي أسباب النُّزول والمكي والمدني، وقد بين ابن عطية أن عبارة ابن عباس لا يراد بها أن جَبَلَة هو سبب نزول الآية المكية؛ لأن خبره في عهد عمر.
ومن هنا يقال: إن معرفة طريقة السلف في عباراتهم في التفسير والإفادة من هذه الطريقة من أصول التفسير.
والمقصود من هذا أنَّ أصول التفسير ليست هي علوم القرآن، وقد يشكل في ذلك تسمية بعض العلماء لكتبهم بمسمى أصول التفسير، وهي في جملتها في علوم القرآن، كـكتاب الشيخ محمد بن عثـيمين رحمه الله، وهذا من باب التسامح فـي الإطـلاق فـي المصطلحات، وإلا فأغلب كتابه في علوم القرآن لا أصول التفسير.
ويمكن تقسيم أصول التفسير إلى أقسام ثلاثة:
· الأول: المقدمات النظرية لهذا العلم، وتشمل جملة من المسائل كالتعريف والنشأة والكتب المدونة فيه، وطريقة التأليف فيه... الخ مما يُكتب في المقدمات التي تناسب هذا العلم.
· الثاني: طرق التفسير ومصادره.
· الثالث: الاختلاف في التفسير، ويشمل:
- دراسة عبارات السلف في التفسير.
- أسباب الاختلاف.
- أنواع الاختلاف.
- كيفية التعامل مع الاختلاف (قواعد الترجيح).
وغيرها من المسائل العلمية المتعلقة بأصول التفسير، هذه أهم مسائله، وهناك غيرها مما لا تسعه هذه العجالة.