المقالات
ما الفرق بين القرآن والمصحف؟
في جواب هذا السؤال، أرجو أن يكون ما أذكره في هذه المسألة فيه بعض التفصيل، وسأذكر نقولاً مطولة، ثم أعقب على ذلك:
1) قال مالك: "بَاب النَّهْيِ عَنْ أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ.
حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِك عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ).
قَالَ مَالِك: وَإِنَّمَا ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ"([1]).
2) قال البخاري: "بَاب السَّفَرِ بِالْمَصَاحِفِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ.
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ، وَتَابَعَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ، وَقَدْ سَافَرَ النَّبِيُّ ﷺ وَأَصْحَابُهُ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ الْقُرْآنَ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ¶: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ)" ([2]).
3) وفي أبواب صحيح مسلم: "بَاب النَّهْيِ أَنْ يُسَافَرَ بِالْمُصْحَفِ إِلَى أَرْضِ الْكُفَّارِ إِذَا خِيفَ وُقُوعُهُ بِأَيْدِيهِمْ.
قال مسلم: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَال: (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ) وقال: وحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا لَيْثٌ ح و حَدَّثَنَا ابْنُ رُمْحٍ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: (أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ).
وقال مسلم: وحَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ وَأَبُو كَامِلٍ قَالَا حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ فَإِنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ).
قَالَ أَيُّوبُ فَقَدْ نَالَهُ الْعَدُوُّ وَخَاصَمُوكُمْ بِهِ حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ ح و حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ وَالثَّقَفِيُّ كُلُّهُمْ عَنْ أَيُّوبَ ح و حَدَّثَنَا ابْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ يَعْنِي ابْنَ عُثْمَانَ جَمِيعًا عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ وَالثَّقَفِيِّ فَإِنِّي أَخَافُ وَفِي حَدِيثِ سُفْيَانَ وَحَدِيثِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ"([3]).
4) قال أبو داود: "بَاب فِي الْمُصْحَفِ يُسَافَرُ بِهِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ).
قَالَ مَالِكٌ: أُرَاهُ مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ"([4]).
5) وقال ابن ماجة: "بَاب النَّهْيِ أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ وَأَبُو عُمَرَ قَالَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ)" ([5]).
وهذه التبويبات -كما ترى- اختلفت، فبعضها على لفظ القرآن كما ورد في الحديث، وغيرها على المصحف على أنه هو المراد بالقرآن، وتفصيل ذلك ما يأتي:
إن القرآن من حيث هو كلام الله لا يتصور منع السفر به، لذا كان المراد بالقرآن في الحديث هو المصحف الذي يحتوي على القرآن، فيكون من عبَّر بالنهي عن السفر بالمصحف شرح معنى المراد بالنهي عن السفر بالقرآن.
لكن لا يعني هذا أنه لا يوجد فرقٌ مطلقًا، بل الفرق موجود، ويمكن القول:
إن القرآن والمصحف قد يطلق أحدهما على الآخر من باب التوسع في التعبير، لكن إذا اجتمعا افترقا، كان يقول قائل: كُتِبَ القرآن في المصحف، فالقرآن غير المصحف.
ومما يلاحظ في الفرق: أن المصحف يجمع على مصاحف، والقرآن لا يجمع؛ لأنه واحد لا تعدد فيه.
كما أنك لا تكاد تجد عبارة (بيع القرآن)، وإنما تجد (بيع المصحف)؛ لأن القرآن لا يتصور بيعه، بخلاف المصحف الذي هو من عمل البشر.
والمختصر في هذا أن يقال: إن بين المصحف والقرآن فرقًا، لكن قد يطلق على المصحف القرآن؛ لأن المصحف هو محل لهذا المقروء، وهو القرآن، والله أعلم.
([1]) موطأ مالك، كتاب الجهاد، باب النَّهْيُ عَنْ أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ، (3/ 633).
([2]) صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب السَّفَرِ بِالْمَصَاحِفِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ، (4/ 56).